فجأة لمح سائق التاكسي، شبحا من بعيد يقف على رأس الشارع الرئيسي، تقدم ببطء نحوه، وأوقف السيارة.
كان ذلك قبل صلاة الفجر بساعة ونصف، فقد اعتاد هذا السائق أن يبدأ العمل في هذا الموعد، يستيقظ في الثانية بعد منتصف الليل، يرتدي ثيابه، يجهز التاكسي وينطلق، كان هذا الموعد هو أنسب موعد للعمل، في ظل كثرة سيارات التاكسي في البلدة.
تأمل السائق في وجه الرجل، فإذا به عجوز تجاوز الثمانين من عمره، يرتدي جلبابا شديد البياض، ذو لحية بيضاء طويلة، وشعر كثيف أبيض، ظهره شديد الانحناء، ويتكأ على عصى خشبية شعر السائق بقليل من الخوف، إلا أنه فتح الباب الأمامي للتاكسي وطلب من العجوز أن يركب.
سأل السائق العجوز عن وجهته، ولكنه لم يتكلم، أشار له بالتوجه إلى الأمام، بدأ السائق في التحرك ببطء، فقد كان الطريق شديد الظلام، وواصل السير، كان العجوز صامتا طوال هذه الفترة.
***************************
فجأة لمح السائق أحد الشباب يشير إليه، و يطلب منه أن يتوقف، توقف السائق، واقترب الشاب من التاكسي، وفتح الباب الخلفي وركب.
– سأوصل هذا العجوز الجالس بجواري أولا ثم أوصلك.
تعجب الشاب من كلمته، وألقى نظرة على الكرسي الأمامي وقال:
– أي عجوز! لا يوجد أحد بجوارك.
انحرفت عجلة القيادة قليلا من السائق، إلا أنه سيطر على أعصابه وأمسك جيد، ونظر بجواره، فوجد العجوز بمكانه، ثم نظر خلفه وقال:
– يبدو أنك قد أصبت بالعمى، ألا ترى هذا العجوز؟.
رد عليه قائلا:
– ويحك عن أي عجوز تتحدث؟ لا أرى أحدا.
فجأة، التفت العجوز إلى السائق قائلا:
– معه حق لا أحد يراني ولا يسمعني غيرك.
في هذه اللحظة كاد السائق أن يصطدم بأحد السيارات المسرعة، إلا أنه تمالك نفسه، وأدار عجلة القيادة، وتجاوز السيارة في اللحظة الأخيرة.
– من أنت؟.
قالها وهو يتأمل وجه العجوز، ويلوم نفسه على أنه وقف له عندما رآه، وسمعه يقول:
– أنا ملك الموت، و سأقبض روحك بعد نصف ساعة.
***************************
لم يتمالك السائق نفسه من هول الصدمة، وتوقف عقله عن العمل، ولم يدر ما يفعله، فجأة سمع صوت أذان الفجر من أحد المساجد القريبة، انطلق مسرعا نحو المسجد، وأوقف السيارة أمام الباب، وألقى نفسه إلى داخل المسجد.
انتهى السائق من صلاة الفجر، وخرج معظم المصلين، إلا أنه ظل جالسا في ركن من أركان المسجد، يدعو الله أن يرحمه، وقرر أن يبقى في المسجد حتى يموت بعد وقت قصير.
مرت ساعة كاملة، تعجب السائق، لماذا لم يمت إلى الآن، أخذ يفكر في الأمر قليلا، هل حقا من رآه هو ملك الموت؟، وإن كان هو لماذا لم يقبض روحه إلى الآن؟، فجأة تذكر شيئا سمعه في إحدى خطب الجمعة، ملك الموت لا يرى، أخذ حذاءه وانطلق خارج المسجد، وجرى هائما على وجهه ووهو يصيح قائلا:
– لقد سرق التاكسي! سرق التاكسي!.
– تمت بحمد الله-
بقلم: د محمد كمال
بقلم: د محمد كمال
جميع الحقوق محفوظة